حوارها مع الأنصار والمهاجرين
ولقد جاء في «الاحتجاج»، و«معاني الأخبار»، و«شرح النهج» لابن أبي الحديد، وأمالي الشيخ، وفي «كشف الغمة» عن صاحب كتاب «السقيفة»: أنها لما مرضت المرضة التي توفّيت فيها، واشتدّت علّتها، اجتمعت إليها نساء المهاجرين والأنصار ليعدنها، فسلّمن عليها، وقلن لها: كيف أصبحتِ من علّتكِ يا بنتَ رسولِ الله؟ فحَمدَت اللَّهَ وسلّمت على أبيها، ثم قالت: «أصحبتُ واللَّهِ عائفةً لدنياكُنّ، قاليةً لرجالكنَّ، لفظتُهم بعد أن عَجمتهُم، وشأنتُهم بعد أن سبَرتُهم، فقُبحاً لفُلولِ الحدّ واللعب بعد الجدّ، وقرِع الصفاةِ وصدع القناة، وخَطل الآراءِ وزَلَلِ الأهواء».
إلى أن قالت: «وما الذي نَقِموا منَ أبي الحسن، نَقِموا منه واللَّهِ نَكيرَ سيفهِ وقلّةَ مبالاتِه بحتَفهِ وشدّةَ وطأتِه ونَكال وقعتهِ، وتَنمُّرَه في ذات الله عزّ وجلّ» إنّها لا تتحدّث عن زوجها، ولكنّها تتحدث عن إمامها الذي يختزن في ذاته كلَّ هذه الصفات، «وتاللَّهِ لو مالُوا عن الحجَّة اللائحة وزالُوا عن قَبول الحجّة الواضحِة لردّهم إليها وحملهم عليها».
قال سويد بن غفلة: فأعادت النساء كلامها إلى رجالهن، فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين وقالوا: يا سيدة نساء العالمين، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن يُبرَم العهد ويُحكمَ العقد لما عَدِلنا عنه إلى غيره، فقالت: «إليكُم عَني»!! فلقد بقيت على صلابة الموقف «فلا عُذرَ بعدَ تعذِيرِكم ولا أمرَ بعد تقصيرِكم».
فعلى هذا الأساس، كانت كل قضيتها هي هذه، حتى يقال في بعض الروايات إنّها كانت تطوف على جموع المهاجرين والأنصار لتحدِّثهم عن حق علي (ع). ونستفيد من هذا، بقطع النظر عن خصوصيّات القضايا، أنّها كانت تعيش للقضايا الكبرى ولم تعش للقضايا الصغرى، كانت تعيش الإسلام كلّه، وكانت تعيش الحق كلّه، حتى إنّها كانت قويّةً صلبةً في هذا المجال، لم تُحابِ ولم تُداهِن، ولم تتراجع ولم تضعف في ذلك كلّه.