حوارها مع الخليفتين
وينقل «ابن قتيبة» في «الإمامة والسياسة» حواراً بينها وبين الخليفتين أبي بكر وعمر، قال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة فإنا قد أغضبناها، فانطلقا جميعاً، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا عليّاً فكلّماه فأدخلهما عليها، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط، فسلَّما عليها فلم تردّ عليهما السلام، فتكلّم أبو بكر، فقال: يا حبيبة رسول الله، والله إنّ قرابة رسول الله أحبّ إليّ من قرابتي، وإنك لأحبّ من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أنّي متّ ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقَّك وميراثك من رسول الله (ص)؟ إلاّ أني سمعت أباك رسول الله (ص) يقول: «لا نورّث ما تركناه فهو صدقة».
فلم تعلّق على هذه الناحية، لأنّها عالجت المسألة في خطبتها، ولأنّ المفارقة التي تقف أمام هذه المسألة هي أنّه لم يروِ هذا الحديث أحدٌ غير أبي بكر، وثانياً: أنّ رسول الله (ص) الذي كان يحبّ فاطمة أعظم حب، وكان يقيها من كل سوء، كيف لم يخبر فاطمة بهذا الحكم الشرعي إذا كان تخصيصاً للقرآن؟ مع أنّ الكتاب الكريم صريح في مسألة الإرث، كيف لم يخبرها ولو على نحو الإشارة ليجنّبها أن تقف هذا الموقف الذي تعترض فيه على رواية تُروى عن رسول الله؟!
حتى إنّ عليّاً (ع) جاء وشهد بحق فاطمة، ولكنّ شهادته لم تقبل، فكأنّ الزهراء (ع) قد فرغت من المسألة ولم تُرِد أن تعالجها من جديد بعد أن عالجتها في ما سبق، ولكنّها أرادت أن تقيم الحجّة في ما عرض لها من أذى ومن ظلامة في الأوضاع التي أحاطت بها، فقالت: «أرايتكُما إنْ حدّثتكُما حَديثاً عن رسولِ اللَّهِ (ص) تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم، فقالت: نَشَدتُكما اللَّهَ ألم تسمعا رسولَ اللَّه (ص) يقول: رضا فاطمة من رضاي وسَخَطُ فاطمةَ من سَخطي، فمن أحبّ ابنتي فاطمة أحبّني، ومن أسخطَ فاطمة أسخطني، قالا: نعم، سمعناه من رسول الله (ص)، فقالت: فإنّي أُشهد اللَّهَ وملائكتَه أنّكما أسخطتُماني وما أرضيتماني، ولَئِن لقيتُ النبي لأشكونكُما إليه، فقال أبو بكر: وأنا عائذ بالله من سخطِه يا فاطمة، وهي تقول: والله لأدعونّ عليكَ في كلّ صلاةٍ أُصلِّيها».