آفاق الإمام علي (ع) ومبادىء وصيته الخمس
لقد باع الإمام علي (ع) نفسه لله، فقد أحبّه كما لم يحبّه إلاّّ الأنبياء، يقول (ع): «هبني صبرت على عذابك، فكيف أصبر على فراقك، وهبني يا إلهي صبرت على حرّ نارك، فكيف أصبر عن النّظر إلى كرامتك..».
هكذا يتحدّث الإمام علي (ع) في دعاء كميل مع ربّه، وهكذا يريد أن يعيش مع الله سبحانه وتعالى.. كان (ع) يطلب من الله _ سبحانه وتعالى _ أن يجعل كلّ أوقاته عامرة بذكره وخدمته.. «حتى تكون أعمالي وأورادي كلّها وِرْداً واحداً، وحالي في خدمتك سرمداً..».
إنّه يطلب من الله أن يعطيه القوة لا ليرتاح بالقوة، ولكن ليخدم الله: «قوِّ على خدمتك جوارحي، واشدد على العزيمة جوانحي، وهب لي الجدّ في خشيتك، والدّوام في الاتصال بخدمتك».
إنّه كان يعتبر الحياة ساحةً للسباق، يتسابق فيها كل إنسان مع الآخر إلى الله، لا إلى المال: «لأسرع إليك في المبادرين، وأشتاق إلى قربك في المشتاقين، وأدنو منك دنوّ المخلصين، وأخافك مخافة الموقنين».
هكذا كان الإمام علي (ع) يعيش مع الله، ولهذا كان لا يلتفت إلى النّاس من حوله.
عندما كان يسجد وينسجم في صلاته، كان يخيّل للّذي يمر عليه أنّه ميّت، حتّى جاء شخص ورأى الإمام في بعض الأماكن ساجداً، حركه فلم يتحرّك، جاء إلى فاطمة وقال لها: عظّم الله أجرك في علي، قالت (ع): كيف رأيته؟ فحدّثها كيف رآه، قالت: إنّها غشية تغشاه عندما يسجد بين يدي الله سبحانه وتعالى.
يقال إذا نبتت السّهام في جسد الإمام علي (ع) كانوا يخرجونها منه وقت الصلاة، لأنّه يكون مندمجاً مع الله، مشغولاً عن الألم.
وهو لا ينسى الله في أشدّ الأوقات حراجةً، ففي ليلة الهرير، وهي أشدّ اللّيالي في معركة صفّين، افتقده أصحابه، وخافوا أن يكون قد أصابه سوء، فرأوه وقد اعتزل بين الصّفين، وهو يصلّي، قالوا له: يا أمير المؤمنين أهذا وقت صلاة؟ قال: علام قاتلناهم؟
على ما تمثّله الصّلاة من اللقاء بالله، ومن العيش مع الله، ومن السير في طريقه، وفي عروج المؤمن بروحه إلى الله.
مبادئ الوصية الخمس
في التّاسع عشر من شهر رمضان، وفي محراب مسجد الكوفة، ضرب عبد الرحمن بن ملجم الإمام أمير المؤمنين (ع)، وهو يصلّي في محرابه.
بقي الإمام (ع) ثلاثة أيّام وهو يعاني من جرحه، حتى كانت شهادته في الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، وقد أراد الإمام في هذه الأيام الثلاثة أن لا يحرم أمته من وصاياه، فلم تشغله جراحاته عن التفكير في شأن الأمة، ليربطها بالله، ويربطها بكلّ القواعد الأساسيّة في علاقاتها مع بعضها البعض، في وصيّته التّي أوصى بها (ع) ولديه الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) وجميع ولده وجميع من بلغه كلامه.
ومن المناسب الإشارة إلى أنّ الحسن والحسين (ع) إمامان معصومان، وأنّ المقصود بالوصية الأمة الإسلامية.. قال (ع) في هذه الوصّية: «أوصيكما بتقوى الله، وأن لا تبغيا الدنيا وإنْ بغتكما..».
المبدأ الأول:
«أوصيكما بتقوى الله..».
أن تراقبا الله في كلّ شيء، وأن تعملا على أن تحسبا حساب الله في كل شيء، وأن لا تطلبا الدنيا حتى لو جاءت الدنيا لتقديم نفسها إليكما، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما.
عندما تخسرون شيئاً من الدنيا في مال أو غير مال، فإنّ عليكم أن لا تعيشوا روح الأسف والألم والحسرة على فوات ذلك، بل اعتبروا أنّ الدنيا حسب طبيعتها تعطيكم شيئاً اليوم وقد تسلبكم إيّاه غداً، قد تعطيكم شيئاً من جانب وتسلبكم إيّاه من جانب آخر.
فعلى الإنسان أن يتقبّل الدنيا بشكل طبيعي، بحيث لا يفرح بما آتاه الله من الدنيا، ولا يأسف أو يتألّم على ما فاته منها، بل يتقبّل ما أتاه من الدنيا بشكل طبيعي، ويتقبّل أيضاً ما خسره منها بشكل طبيعي، ويعتبر أنّ قضيته في الدنيا هي أن يطيع الله سبحانه، وليست قضيّته أن يحصل على مال لِيحقِّق ربحاً أو يعوِّض خسارة...
المبدأ الثاني:
«وقولا بالحق».
وهذا المبدأ يعني أن يعمل الإنسان على أن يتحدث بالحقّ والصدق، وأن يلتزم أيضاً بالحقّ والصدق، فلا يقول الكذب في كل موقع من مواقع حياته، ولا يلتزم الباطل في أي موقع من مواقع حياته.
هكذا كانت سيرة علي بن أبي طالب (ع)، حتى قال: «ما ترك لي الحق من صديق». كانت قولة الحق في كلَّ القضايا هي شعاره في كلَّ مجالات حياته. وقد ورد عن النبي (ص) في تأكيده علاقة علي بالحق وعلاقة الحقّ بعلي أنّه قال: «علي مع الحق، والحق مع علي، يدور معه حيثما دار».
فإذا كنّا نريد أن نكون شيعة علي (ع) وأتباعه، في الدائرة الإسلامية الّتي التزمها علي (ع)، فعلينا أن نعمل على أساس أن نبحث عن الحق أينما هو، سواء في حياتنا الخاصة، في داخل بيوتنا، أو في حياتنا العامة في كل مجتمعاتنا، وأن لا نصدر حكماً في أيِّ جانب، ولا نتبنى موقفاً في أي جانب، إلاّ إذا عرفنا أنّه الحقّ.
يجب أن لا تكون العداوة والصداقة هي الأساس في تأييدنا للمواقف، بل أن يكون الحقّ هو الأساس في ذلك، فإذا قال عدوّنا الحقّ وكان الحقّ معه، فعلينا أن نقول الحق معه، وإذا كان صديقنا مع الباطل والكذب، فعلينا أن نواجهه لنكون ضدّه في هذا المجال.
تلك وصيّة علي بن أبي طالب (ع)، لأننا إذا خسرنا شيئاً على أساس الحقّ فإننّا سنربحه في مجال آخر.
قد يرى بعض النّاس أنّ الحقّ يعرّضهم للخسارة، ولكن الواقع أنّ الحقّ يكسبهم الربح في الدنيا وفي الآخرة.
لقد باع الإمام علي (ع) نفسه لله، فقد أحبّه كما لم يحبّه إلاّّ الأنبياء، يقول (ع): «هبني صبرت على عذابك، فكيف أصبر على فراقك، وهبني يا إلهي صبرت على حرّ نارك، فكيف أصبر عن النّظر إلى كرامتك..».
هكذا يتحدّث الإمام علي (ع) في دعاء كميل مع ربّه، وهكذا يريد أن يعيش مع الله سبحانه وتعالى.. كان (ع) يطلب من الله _ سبحانه وتعالى _ أن يجعل كلّ أوقاته عامرة بذكره وخدمته.. «حتى تكون أعمالي وأورادي كلّها وِرْداً واحداً، وحالي في خدمتك سرمداً..».
إنّه يطلب من الله أن يعطيه القوة لا ليرتاح بالقوة، ولكن ليخدم الله: «قوِّ على خدمتك جوارحي، واشدد على العزيمة جوانحي، وهب لي الجدّ في خشيتك، والدّوام في الاتصال بخدمتك».
إنّه كان يعتبر الحياة ساحةً للسباق، يتسابق فيها كل إنسان مع الآخر إلى الله، لا إلى المال: «لأسرع إليك في المبادرين، وأشتاق إلى قربك في المشتاقين، وأدنو منك دنوّ المخلصين، وأخافك مخافة الموقنين».
هكذا كان الإمام علي (ع) يعيش مع الله، ولهذا كان لا يلتفت إلى النّاس من حوله.
عندما كان يسجد وينسجم في صلاته، كان يخيّل للّذي يمر عليه أنّه ميّت، حتّى جاء شخص ورأى الإمام في بعض الأماكن ساجداً، حركه فلم يتحرّك، جاء إلى فاطمة وقال لها: عظّم الله أجرك في علي، قالت (ع): كيف رأيته؟ فحدّثها كيف رآه، قالت: إنّها غشية تغشاه عندما يسجد بين يدي الله سبحانه وتعالى.
يقال إذا نبتت السّهام في جسد الإمام علي (ع) كانوا يخرجونها منه وقت الصلاة، لأنّه يكون مندمجاً مع الله، مشغولاً عن الألم.
وهو لا ينسى الله في أشدّ الأوقات حراجةً، ففي ليلة الهرير، وهي أشدّ اللّيالي في معركة صفّين، افتقده أصحابه، وخافوا أن يكون قد أصابه سوء، فرأوه وقد اعتزل بين الصّفين، وهو يصلّي، قالوا له: يا أمير المؤمنين أهذا وقت صلاة؟ قال: علام قاتلناهم؟
على ما تمثّله الصّلاة من اللقاء بالله، ومن العيش مع الله، ومن السير في طريقه، وفي عروج المؤمن بروحه إلى الله.
مبادئ الوصية الخمس
في التّاسع عشر من شهر رمضان، وفي محراب مسجد الكوفة، ضرب عبد الرحمن بن ملجم الإمام أمير المؤمنين (ع)، وهو يصلّي في محرابه.
بقي الإمام (ع) ثلاثة أيّام وهو يعاني من جرحه، حتى كانت شهادته في الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، وقد أراد الإمام في هذه الأيام الثلاثة أن لا يحرم أمته من وصاياه، فلم تشغله جراحاته عن التفكير في شأن الأمة، ليربطها بالله، ويربطها بكلّ القواعد الأساسيّة في علاقاتها مع بعضها البعض، في وصيّته التّي أوصى بها (ع) ولديه الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) وجميع ولده وجميع من بلغه كلامه.
ومن المناسب الإشارة إلى أنّ الحسن والحسين (ع) إمامان معصومان، وأنّ المقصود بالوصية الأمة الإسلامية.. قال (ع) في هذه الوصّية: «أوصيكما بتقوى الله، وأن لا تبغيا الدنيا وإنْ بغتكما..».
المبدأ الأول:
«أوصيكما بتقوى الله..».
أن تراقبا الله في كلّ شيء، وأن تعملا على أن تحسبا حساب الله في كل شيء، وأن لا تطلبا الدنيا حتى لو جاءت الدنيا لتقديم نفسها إليكما، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما.
عندما تخسرون شيئاً من الدنيا في مال أو غير مال، فإنّ عليكم أن لا تعيشوا روح الأسف والألم والحسرة على فوات ذلك، بل اعتبروا أنّ الدنيا حسب طبيعتها تعطيكم شيئاً اليوم وقد تسلبكم إيّاه غداً، قد تعطيكم شيئاً من جانب وتسلبكم إيّاه من جانب آخر.
فعلى الإنسان أن يتقبّل الدنيا بشكل طبيعي، بحيث لا يفرح بما آتاه الله من الدنيا، ولا يأسف أو يتألّم على ما فاته منها، بل يتقبّل ما أتاه من الدنيا بشكل طبيعي، ويتقبّل أيضاً ما خسره منها بشكل طبيعي، ويعتبر أنّ قضيته في الدنيا هي أن يطيع الله سبحانه، وليست قضيّته أن يحصل على مال لِيحقِّق ربحاً أو يعوِّض خسارة...
المبدأ الثاني:
«وقولا بالحق».
وهذا المبدأ يعني أن يعمل الإنسان على أن يتحدث بالحقّ والصدق، وأن يلتزم أيضاً بالحقّ والصدق، فلا يقول الكذب في كل موقع من مواقع حياته، ولا يلتزم الباطل في أي موقع من مواقع حياته.
هكذا كانت سيرة علي بن أبي طالب (ع)، حتى قال: «ما ترك لي الحق من صديق». كانت قولة الحق في كلَّ القضايا هي شعاره في كلَّ مجالات حياته. وقد ورد عن النبي (ص) في تأكيده علاقة علي بالحق وعلاقة الحقّ بعلي أنّه قال: «علي مع الحق، والحق مع علي، يدور معه حيثما دار».
فإذا كنّا نريد أن نكون شيعة علي (ع) وأتباعه، في الدائرة الإسلامية الّتي التزمها علي (ع)، فعلينا أن نعمل على أساس أن نبحث عن الحق أينما هو، سواء في حياتنا الخاصة، في داخل بيوتنا، أو في حياتنا العامة في كل مجتمعاتنا، وأن لا نصدر حكماً في أيِّ جانب، ولا نتبنى موقفاً في أي جانب، إلاّ إذا عرفنا أنّه الحقّ.
يجب أن لا تكون العداوة والصداقة هي الأساس في تأييدنا للمواقف، بل أن يكون الحقّ هو الأساس في ذلك، فإذا قال عدوّنا الحقّ وكان الحقّ معه، فعلينا أن نقول الحق معه، وإذا كان صديقنا مع الباطل والكذب، فعلينا أن نواجهه لنكون ضدّه في هذا المجال.
تلك وصيّة علي بن أبي طالب (ع)، لأننا إذا خسرنا شيئاً على أساس الحقّ فإننّا سنربحه في مجال آخر.
قد يرى بعض النّاس أنّ الحقّ يعرّضهم للخسارة، ولكن الواقع أنّ الحقّ يكسبهم الربح في الدنيا وفي الآخرة.