الإمام علي(ع) في مواجهة المعارضة
واجهت الإمام علي (ع) جملة من المشكلات، سواء كان قبل تولي الخلافة أو بعدها، وكان دائماً يعمل على جعل مصلحة الأمة في مقدمة اهتماماته، ولذلك كان(ع) لا يبدأ قتالاً إلأّ بعد أن يستنفد كل الأساليب الحوارية والسلمية، محاولاً أن يجنِّب الأمة ـ ما أمكن ـ الانقسامات وحالات التشظّي. كان الحق ديدنه، وإرساء دعائم الدولة الرسالية غايته وهدفه، وكان يقدّم لنا الأنموذج الأمثل في اتخاذ المواقف، ويخطّ لنا النهج القويم في حركة التعاطي مع الواقع... سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، يسلط الضوء على هذه التجربة في مرحلة تعتبر مفصلية في تاريخ الأمة.
التجربة الصعبة:
عاش الإمام علي (ع) التجربة الصعبة عندما كان خارج موقعه الطبيعي الذي جعله اللّه له، وهو خلافة المسلمين، ومع كل ذلك، فإنّه كان يردِّد كلمته الخالدة: "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين"، فقد كان يعتبر نفسه مسؤولاً وهو خارج الخلافة، كما كان مسؤولاً عندما تولاّها فيما بعد، فالخلافة لم تكن طموح علي (ع)، وإنّما كانت رسالته ومسؤوليته، وكان يشير إلى نعله ليقول: ((إنّها أعظم من إمرتكم هذه، إلاّ أن أقيم حقاً، أو أدفع باطلاً)).
وعندما استلم الخلافة، أصبحت الأزمة أشد تعقيداً من قبل، وفي ذلك يقول: "فلما نهضت بالأمر، نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون، كأنّهم لم يسمعوا كلام اللّه حيث يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]. بلى واللّه، لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها"... "فيا للّه وللشورى، متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر؟!"(1)
فالمشكلة كانت تتحرك في دائرتين: الدائرة الأولى: وهي دائرة الطامحين للخلافة، والذين حاولوا الوصول إليها في أسلوبين: أسلوب (طلحة والزبير) اللذين كانا يريدان لعلي (ع) أن يشاركهما الخلافة، وأسلوب معاوية بن أبي سفيان الذي كان يريد لعلي (ع) أن يطلق يده في مصر والشام ليحكمهما من دون ضوابط كما كان سابقاً، وإلاّ فإنّه سيطالب بدم عثمان. وكانت مشكلة علي (ع) مع هذه الفئة وتلك، هي مشكلة الذين يريدون أن يحدثوا الخلل في نظام الأمّة.
والدائرة الثانية: وهي دائرة الخوارج الذين لم تكن مشكلته معهم كمشكلاته مع الطامحين للخلافة مشاركةً أو استقلالاً، بل كانت مشكلة فكرية، حيث كانوا يفهمون الإسلام بطريقة متخلّفة، ويعتبرون تخلّفهم مقدساً، ولذلك كانوا يكفّرون كلّ من لا يلتقي بهذا التخلّف. فكيف عالج علي (ع) هاتين المشكلتين؟
كان الخط البيانيّ العريض في كلّ هذه المشاكل التي أحاطت بعلي (ع) من طلحة والزبير ومعهما أم المؤمنين عائشة ومعاوية والخوارج، هو الخط الإسلامي الذي آمن به، والذي انفتح القرآن به على الناس، ألا وهو أن لا يقمع في البداية أية معارضة، سواء كانت معارضة سياسية أو فكرية، ولا سيما في الساحة الإسلامية، وكانت المسألة عند علي (ع)، هي أن يفتح قلوب هؤلاء على الحقيقة، وأن يقيم الحجّة عليهم، ما دامت القضية قضية معارضة في الخطّ أو في الفكر(2).
فلو درسنا (نهج البلاغة) في كتبه إلى طلحة والزبير، أو في حديثه المباشر معهم، وفي كتبه إلى معاوية، وفي حواره مع الخوارج، لرأينا علياً (ع) ذلك الإنسان الذي يحرّك الفكرة مع خصومه بكلّ إنسانيته، وكلّ روحية القائد الداعية الذي يريد للآخر أن ينفتح على الحقّ، ولم نجد في أي كتاب من كتبه، أو أي حوار من حواراته عنفاً، إلاّ إذا كان العنف هو الوسيلة التي يردّ بها عنف الآخر. فكان لا يبدأ بعنف في الكلمة، بل كانت كلمته رقيقة، وكان يتواضع لمحاوره، حتى لتحار هل إنّ علياً (ع) ذلك البطل العظيم الذي جاهد من أجل الإسلام، يخاطب الناس بهذه الطريقة؟! هكذا كان نهج مدرسة علي التي هي مدرسة الإسلام. وقد علّمنا اللّه سبحانه وتعالى مما لم نتعلّمه في واقعنا الإسلامي، حيث يقول: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وهي الكلمة الطيّبة والأسلوب الطيّب والمناخ الطيّب والروح الطيّبة {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}، لأنّ الظالم ليس إنسان الحوار، بل هو يريد أن يقمعك ويصرعك ويصادر إرادتك. وكذلك علّمنا الله مما لم نأخذ به: {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[العنكبوت:46]. أي تعالوا إلى مواطن اللقاء لا إلى منطق العصبية(3).
ولا بد لنا من أن نتوقف عند هذه الأحداث، لكي نتعرّف الظروف التي جعلت الناكثين والقاسطين والمارقين تتضافر جهودهم ضدّ أمير المؤمنين (ع).
واجهت الإمام علي (ع) جملة من المشكلات، سواء كان قبل تولي الخلافة أو بعدها، وكان دائماً يعمل على جعل مصلحة الأمة في مقدمة اهتماماته، ولذلك كان(ع) لا يبدأ قتالاً إلأّ بعد أن يستنفد كل الأساليب الحوارية والسلمية، محاولاً أن يجنِّب الأمة ـ ما أمكن ـ الانقسامات وحالات التشظّي. كان الحق ديدنه، وإرساء دعائم الدولة الرسالية غايته وهدفه، وكان يقدّم لنا الأنموذج الأمثل في اتخاذ المواقف، ويخطّ لنا النهج القويم في حركة التعاطي مع الواقع... سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، يسلط الضوء على هذه التجربة في مرحلة تعتبر مفصلية في تاريخ الأمة.
التجربة الصعبة:
عاش الإمام علي (ع) التجربة الصعبة عندما كان خارج موقعه الطبيعي الذي جعله اللّه له، وهو خلافة المسلمين، ومع كل ذلك، فإنّه كان يردِّد كلمته الخالدة: "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين"، فقد كان يعتبر نفسه مسؤولاً وهو خارج الخلافة، كما كان مسؤولاً عندما تولاّها فيما بعد، فالخلافة لم تكن طموح علي (ع)، وإنّما كانت رسالته ومسؤوليته، وكان يشير إلى نعله ليقول: ((إنّها أعظم من إمرتكم هذه، إلاّ أن أقيم حقاً، أو أدفع باطلاً)).
وعندما استلم الخلافة، أصبحت الأزمة أشد تعقيداً من قبل، وفي ذلك يقول: "فلما نهضت بالأمر، نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون، كأنّهم لم يسمعوا كلام اللّه حيث يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]. بلى واللّه، لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها"... "فيا للّه وللشورى، متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر؟!"(1)
فالمشكلة كانت تتحرك في دائرتين: الدائرة الأولى: وهي دائرة الطامحين للخلافة، والذين حاولوا الوصول إليها في أسلوبين: أسلوب (طلحة والزبير) اللذين كانا يريدان لعلي (ع) أن يشاركهما الخلافة، وأسلوب معاوية بن أبي سفيان الذي كان يريد لعلي (ع) أن يطلق يده في مصر والشام ليحكمهما من دون ضوابط كما كان سابقاً، وإلاّ فإنّه سيطالب بدم عثمان. وكانت مشكلة علي (ع) مع هذه الفئة وتلك، هي مشكلة الذين يريدون أن يحدثوا الخلل في نظام الأمّة.
والدائرة الثانية: وهي دائرة الخوارج الذين لم تكن مشكلته معهم كمشكلاته مع الطامحين للخلافة مشاركةً أو استقلالاً، بل كانت مشكلة فكرية، حيث كانوا يفهمون الإسلام بطريقة متخلّفة، ويعتبرون تخلّفهم مقدساً، ولذلك كانوا يكفّرون كلّ من لا يلتقي بهذا التخلّف. فكيف عالج علي (ع) هاتين المشكلتين؟
كان الخط البيانيّ العريض في كلّ هذه المشاكل التي أحاطت بعلي (ع) من طلحة والزبير ومعهما أم المؤمنين عائشة ومعاوية والخوارج، هو الخط الإسلامي الذي آمن به، والذي انفتح القرآن به على الناس، ألا وهو أن لا يقمع في البداية أية معارضة، سواء كانت معارضة سياسية أو فكرية، ولا سيما في الساحة الإسلامية، وكانت المسألة عند علي (ع)، هي أن يفتح قلوب هؤلاء على الحقيقة، وأن يقيم الحجّة عليهم، ما دامت القضية قضية معارضة في الخطّ أو في الفكر(2).
فلو درسنا (نهج البلاغة) في كتبه إلى طلحة والزبير، أو في حديثه المباشر معهم، وفي كتبه إلى معاوية، وفي حواره مع الخوارج، لرأينا علياً (ع) ذلك الإنسان الذي يحرّك الفكرة مع خصومه بكلّ إنسانيته، وكلّ روحية القائد الداعية الذي يريد للآخر أن ينفتح على الحقّ، ولم نجد في أي كتاب من كتبه، أو أي حوار من حواراته عنفاً، إلاّ إذا كان العنف هو الوسيلة التي يردّ بها عنف الآخر. فكان لا يبدأ بعنف في الكلمة، بل كانت كلمته رقيقة، وكان يتواضع لمحاوره، حتى لتحار هل إنّ علياً (ع) ذلك البطل العظيم الذي جاهد من أجل الإسلام، يخاطب الناس بهذه الطريقة؟! هكذا كان نهج مدرسة علي التي هي مدرسة الإسلام. وقد علّمنا اللّه سبحانه وتعالى مما لم نتعلّمه في واقعنا الإسلامي، حيث يقول: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وهي الكلمة الطيّبة والأسلوب الطيّب والمناخ الطيّب والروح الطيّبة {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}، لأنّ الظالم ليس إنسان الحوار، بل هو يريد أن يقمعك ويصرعك ويصادر إرادتك. وكذلك علّمنا الله مما لم نأخذ به: {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[العنكبوت:46]. أي تعالوا إلى مواطن اللقاء لا إلى منطق العصبية(3).
ولا بد لنا من أن نتوقف عند هذه الأحداث، لكي نتعرّف الظروف التي جعلت الناكثين والقاسطين والمارقين تتضافر جهودهم ضدّ أمير المؤمنين (ع).
عدل سابقا من قبل أحمد في الجمعة يوليو 03, 2009 6:57 am عدل 1 مرات