حزنها على النبي (ص
)كانت تعيش الصلاة في كلِّ مواقفها، وكانت تعيش الحزن الكبير على أبيها، وبكت من فراقه وهو حي عندما اعتنقته وهو في حالة الاحتضار، فبكت، ثم اعتنقته ثانية فضحكت، فسئلت بعد ذلك _ كما تقول الرواية _ فقالت: إنّه أخبرها أوّلاً بوفاته فبكت، وأخبرها ثانيةً بأنّها أوّلُ أهل بيته لحوقاً به فضحكت. وانظروا إلى هذه الإنسانة الشابة، الأُم، الزوجة التي لم تأخذ الكثير من الحياة، كيف هو اندماجها بحبِّ رسول الله، فهي لن تفارق حياة رسول الله كثيراً، بل ستلتقي به في أقرب وقت بعد وفاته.
وينقل الرواة في حزنها على رسول الله (ص) ما رواه «الكليني» بسنده عن الصادق (ع) قال: «عاشت فاطمة بعد رسول الله خمسةً وسبعينَ يوماً لم تُرَ كاشِرةً ولا ضاحكةً، تأتي قبورَ الشهداءِ في كلّ أُسبوع مرَّتين، الإثنين والخميس، فتقول: ها هنا كان رسول الله، وها هنا كان المشركون»، وفي رواية عن الصادق (ع): «أنها كانت تُصلّي هُناك وتدعو حتى ماتت».
هكذا _ أيّها الأحبة _ عاشت الزهراء حياتها كلّها، وهي الإنسانة التي نعتقد أنّها المعصومة في كلِّ ما قالته وكلِّ ما فعلته.
أوّلاً: لأنّها سيدة نساء العالمين، ومن كانت بهذه المنـزلة لا تخطئ في قول أو في فعل.
وثانياً: أنّها من أهل البيت الذين أذهبَ الله عنهم الرجسَ وطهّرهم تطهيراً.
وثالثاً: لأننا في دراستنا لحياة الزهراء (ع) منذ طفولتها حتى لاقت وجه ربّها لم ترَ أي باطل، فكانت المعصومة بإرادتها وبلطف ربّها وإفاضته عليها الكثير من اللطف، والروحانية والرعاية وما إلى ذلك، عاشت الألم كلّه، والجهاد كلّه، والإسلام كلّه، والقوة كلّها في خطِّ مواجهة القضايا الكبرى، حتّى إنّها أوصت بأن تدفن ليلاً وأن لا يحضر جنازتها الذين واجهتهم في الموقف، والذين اعتبرتهم لم يقفوا مع قضايا الحق، ليكون دفنها في اللّيل الاحتجاج الأخير بعد وفاتها امتداداً للاحتجاج قبل وفاتها، كما أرادت أن يسوّى قبرها، من أجل أن يكون ذلك دليلاً على كلّ هذه المأساة التي كانت لله، وفي سبيل الله، ومع رسول الله.
وهكذا بقيت فاطمة (ع) سيدة النساء قدوةً للمؤمنين والمؤمنات في الموقف وفي مواجهة القضايا الكبرى، لتقول للجميع: إنّ هناك أكثر من قضية تنتظركم في سبيل الإسلام، وإنّ هناك أكثر من قضية تنتظركم في سبيل وحدة المسلمين، وإنّ هناك أكثر من قضية تنتظركم من أجل الدعوة للإسلام والعمل في سبيله، ليكون الأقوى والأعزّ والأرفع من خلال كلِّ ما تملكونه من فكرٍ ومن روح، وفي كلِّ ما تتحركون به من خطوات.
كونوا للإسلام... هذا هو نداء فاطمة (ع): كونوا للإسلام كما كنتُ للإسلام.. واعملوا من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الشيطان هي السفلى.. وإذا كان الموقف يفرض أن تقفوا وتتوحّدوا وتجمّدوا الكثير من القضايا بالرغم من آلام التاريخ ومآسيه، فليكن الإسلام هو الهدف الكبير والعنوان الكبير.
سلام الله عليها يوم ولدت ويوم توفيت ويوم تبعث حيّةً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.