منـزلة المرأة في الإسلام:
من خلال مراجعة الأدوار التي قامت بها الزهراء (ع)، كيف تتصوَّرون حركتها بما يقدّم صورةً عمليةً لدور المرأة في الحياة؟
- هناك فرقٌ بين ما أعطاه الله في تشريع الإسلام للرجال، وبين ما أعطاه للمرأة في القضايا التنظيمية، على مستوى العلاقة الزوجية، وعلى مستوى باقي العلاقات العامة في الحياة، باعتبار أنه راعي دور الأمومة عندها، فلم يحمّلها من المسؤوليات الكثير، وراعى في الرجال بعض الخصوصيات، فحملهم مسؤوليات إضافية {وللرجال عليهن درجة} (البقرة-228).
ولكن في المجالات العامة للمسؤولية، كالقرب من الله، والفضل عند الله، والفضل في العلم، والفضل في الكفاءة، وفي كل المجالات التي يمكن أن تقوم بها المرأة، فحينئذ لا يكون الرجل أفضل من المرأة، على العكس، قد تكون أفضل من الرجل إذا كانت أكثر علماً منه، وقد تكون أفضل من الرجل إذا كانت أكثر جهاداً منه، وإذا كانت أكثر تحملاً للمسؤولية منه، والرجل أيضاً قد يفضل على المرأة بذلك وقد يتساويان.
ونرى أنّ الله سبحانه وتعالى عندما حدّثنا عن نشأة الخلق قال: {يا أيها الناس اتَّقوا ربَّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً} (النساء/1).
وعندما أطلق المسؤولية في الحياة، لم يفرّق بين امرأة ورجل {فاستجابَ لهم ربُّهم أنّي لا أُضيعُ عملَ عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضُكم من بعض} (آل عمران/195).
وهكذا نجد أنّ الله يحدّثنا في مجال ثوابه: {إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدّقين والمتصدّقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذّاكرين الله كثيراً والذاكرات أعدّ لهم مغفرةً وأجراً عظيماً} (الأحزاب/35).
لم يفرّق الله في ذلك بين النساء والرجال، بل جعل الرجال كالنساء، عندما ينطلقون معاً في الإخلاص للإسلام والإيمان، والقنوت لله، والصدق في القول والموقف، والصبر في الشدائد، والخشوع لله، والتصديق، والصيام، والعفة.
وهكذا عندما أراد الله للرجل أن يخضع لحكم الله، أراد للمرأة بالمستوى نفسه أن تخضع لحكم الله: {وَما كان لِمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرَةُ من أُمرِهم} (الأحزاب/36).
وهكذا الأمر عندما حدّثنا الله تعالى عن المسؤولية في الحياة العامة، وفي الدعوة إلى الله، وفي الوقوف ضد الانحراف، وفي الوقوف أمام التحديات: {والمؤمنون والمؤمناتُ بعضُهم أولياءُ بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..} (التوبة/71).
ليس هناك فرقٌ في المسؤولية، فإذا احتاج الإسلام إلى المرأة فهي مسؤولة أن تتحرّك، وإذا احتاج إلى الرجل فهو مسؤول أن يتحرّك. وهكذا عندما يراد أن يُدعى إلى الإسلام، فالمرأة لا بد أن تكون داعية، كما لا بدّ للرجل أن يكون داعية، وهذا ما نثيره في كلِّ الأجواء العامة.
قد نحتاج إلى كثير من المراحل حتى تتحمّل المرأة مسؤوليتها، كما يتحمّل الرجل مسؤوليته، في كل جوانب الحياة التي يكون فيها معروف يراد أن يقام، ومنكر يراد أن يُهدم. فعندما حدّثنا الله عن المسؤولية في الحالات المنحرفة، قال: {والسارقُ والسارقةُ فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا..} (المائدة/38). {الزانية والزاني فاجِلدوا كلَّ واحدٍ منهما مِائةَ جلدة} (النور/2).
ولم يفرّق بين المرأة والرجل في جريمة الزنى. الرجل والمرأة يجلدان إذا كانا غير محصنين، ويرجمان إذا كان محصنين. والسارق والسارقة تقطع أيديهما عندما يكون الحكم الشرعي هو قطع يد السارق، فلم يفرّق الله بين المرأة والرجل في ذلك.
كما إنّ الله سبحانه قد جعل المرأة مثلاً، فالمرأة الكافرة مثلٌ للذين كفروا من الرجال والنساء، والمرأة المؤمنة مثلٌ للذين آمنوا من الرجال والنساء:
{ضربَ اللَّهُ مثلاً للذين كفروا امرأةَ نوحٍ وامرأةَ لوطٍ كانتا تحت عبدين من عبادِنا صالحينِ فخانتاهما فلم يُغنيا عنهما مِنَ اللَّهِ شيئاً وقيل ادخُلا النارَ مع الدّاخلين* وضربَ اللَّهُ مثلاً للذينَ آمنوا امرأةَ فرعونَ إذْ قالتْ ربِّ ابْنِ لي عندك بيتاً في الجنةِ ونجِّني من فرعونَ وعملهِ ونجِّني من القومِ الظالمين* ومريم ابنة عمرانَ التي أحصنتْ فَرْجَها فَنَفخنا فيهِ من رُوحنا وصَدَّقتْ بكلماتِ ربّها وَكُتُبِه وَكانتْ مِن القانتين} (التحريم/10-12).
إنّ الله ضرب المرأة الصالحة مثلاً لكل الناس، والمرأة غير الصالحة مثلاً لكل الناس، فالمرأة يمكن أن تكون مثلاً للمجتمع كله، وقدوةً في كلِّ المجالات الحياتية.
إننا نأخذ من خلال ذلك فكرة أنّ المرأة كالرجل في المسؤولية، ولكن الله نوّع المسؤولية في بعض مجالات حياة المرأة، ونوع المسؤولية في بعض مجالات حياة الرجل.
والله سبحانه وتعالى عندما جعل شهادة امرأتين في مقابل شهادة رجل واحد، لم يكن ذلك لنقصٍ في عقل المرأة أو إنسانيتها، بل لزيادة في عاطفتها، ولذا قال: {أن تَضِلَّ إحداهما فَتُذكرِّ إحداهما الأخرى} (البقرة/282).
وهكذا نجد من خلال ذلك أن المرأة يمكن أن تبلغ عند الله من المنـزلة ما لا يبلغه الرجل، ويمكن أن تبلغ بعملها وكفاءتها وجهودها وجهادها ما لا يبلغه الرجل، لأنّ قيمة كل امرئٍ ما يحسنه. إذا كانت المرأة أكثر علماً وجهاداً من الرجل، كانت هي الأفضل في هذا الجانب {قل هي يستوي الذينَ يعلمون والذينَ لا يعلمون} (الزمر/9) من الرجال أو من النساء.
إننا نستوحي هذه الفكرة الإسلامية من خلال شخصية الزهراء (ع)، التي انطلقت لتكون سيدة نساء العالمين، لا من خلال نسبها فحسب، ولكن من خلال عملها وشخصيتها التي تنطلق من عصمتها عليها السلام