فاطمة بضعة الرسول(ص)
وانطلقت الكلمة: "فاطمة بضعة مني"، وعندما تكون الكلمة من رسول الله(ص)، فإنّها تكون ينبوعاً يتدفّق بكل الصفاء والنقاء وبكل المعنى العميق… "بضعة مني"، بضعة من عقله لأنها عاشت مع عقله، فكانت منذ طفولتها الأولى تنهل من عقله، لأنّ طفولتها لم تكن طفولةً ساذجةً بسيطة، بل كانت طفولة تنفتح على كل الذكاء في كل عمقه، فكانت، وهي الطفلة، تعيش أباها الرسالة، وتعيش كل آلامه التي لم تكن آلاماً شخصيةً، بل كانت آلام الرسالة، آلام الإنسان، وآلام الوعي الذي كان ضحية كل تلك الجاهلية.
وكانت تنظر إلى أبيها الذي فقد أمّه وهو لا يزال طفلاً، فتعطيه كلّ الحنان، لأنها كانت تعرف أن حنان الأم هو الذي يملأ كل وجدان الطفل، وهو الذي يمنح الإنسان، حتى في شبابه وفي شيخوخته، كل معاني طهر الطفولة، فالإنسان مع أمِّه يبقى يعيش طفولته حتى لو أصبح شاباً، وحتى لو غدا كهلاً، فإذا فقد أمّه تحوّل فجأة شيخاً يتوكّأ على العصا.
فقد كانت(ع) تعيش الإحساس بكل ذلك، وكانت تريد أن تكون أمه روحاً وعاطفةً وحناناً، فكانت ـ وهي الطفلة ـ تبكي عندما يتألم، وعندما كان(ص) يأتي من المسجد وقد وضع القوم الأوساخ على ظهره، كانت تستقبله بدموعها، وكان يرتاح لتلك الدموع، ولذلك قال(ص) عنها "إنها أمّ أبيها". فأي أب هو هذا الذي كانت الزهراء أمه؟! وأية أمومة كان يحسّ بها هذا الأب العظيم الذي كان يدرج في خط كهولته ليشعر بالطمأنينة الروحية؟!
وهكذا، كانت(ع) تتعلم من أخلاقه(ص). وقد التقت طفولتها الأولى بطفولة علي(ع)، لأنهما كانا في بيت واحد، فقد كان رسول الله(ص) أبا عليٍّ تربيةً وروحاً، كما كان أباها بالمعنى المادي للأبوة وبالمعنى الروحي، ودرجا معاً وتعلّما معاً، وقد سمعنا رسول الله(ص) يقول: "لولا علي لما كان لفاطمة كفؤ". هل هي كفاءة النسب، وأبناء العم كثيرون؟ لا، بل هي كفاءة العقل والروح والخلق والوعي والانفتاح.