تسبيح الزهراء (ع)
ولذلك استجاب عليّ (ع) على أساس أن يتحدّث هو لا هي عن الخادم، ووصلا إلى النبي (ص)، فتحدّث علي (ع) قائلاً: «إنّها طَحَنت بالرّحى حتّى مَجلَت يَداها _ أي اخشوشنت _ وأثّر في صدرِها، وكَنَستِ البيتَ _ أو كسحت البيت _ حتّى اغبرّت ثيابها _ وكأنّه قال: وهي تُعاني من تربية أولادها _»، وطلب منه خادماً فيما يأتيه من بعض الأسرى.
فقال النبي (ص) وهو يخاطب روحيتهما ليرتفع بهما وليربطهما بالله سبحانه وتعالى فتتخفف متاعبها الجسديّة من خلال ذلك، قال: «ألا أُعلِّمكما شيئاً إذا فَعلتُماه كانَ خَيراً من الخادم، إذا أخذتُما منامَكما فكبِّرا اللَّهَ (34) مرّة واحمداه (33) مرّة وسبّحاه (33) مرّة، فهو خيرٌ لكما منَ الخادم، فقالا: رَضِينا بالله»!!
وخلّد الإسلام تسبيح الزهراء الّذي نتذكّر معه متاعب الزهراء (ع)، ونتذكر معه أنّ الزهراء ابتعدت عن متاعبها من خلال تكبير الله وتحميده وتسبيحه، لنعرف كيف هو العيش مع الله، وكيف هو ذكر الله عندما يعيش الإنسان آلامه.
وفي رواية رواها «الكافي» بسنده عن الإمام الصادق (ع) قال: «لمّا جاءت فاطمة تَشكُو إلى رسولِ الله بعضَ أمرِها أعطاها كربة _ أصل السعفة العريض وكان يُكتب عليها، فكان يربّيها على أن تنفتح على العلم والروح أكثر من الانفتاح على الجوانب الماديّة، قال: «تعلّمي ما فيها.. فإذا فيها: من كان يؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فلا يُؤذِ جارَه، ومن كان يؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخِر فليكرمْ ضيفَه، ومن كان يؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خَيراً أو يسكُتْ».
وكان هذا هو ما أراده الرسول (ص) لفاطمة (ع) في تخفيف آلامها، من خلال الانفتاح على أجواء القيم الإسلامية الّتي تشغل فكرها في ما تبلّغه للناس، ليكون ذلك انتصاراً على كل ما تعانيه من قسوة ومن ألم، ومعنى ذلك في ما نستوحيه، أنّ على الإنسان أن يكون وعيه لرسالته أقوى من وعيه لآلامه، لينتصر برسالته على آلامه، لأنّ الإنسان إذا عاش الاهتمام بالشيء الكبير فإنّه ينسى الشيء الصغير.