دراسة خطبة الزهراء (ع)
ومن هنا، كانت الزهراء (ع) _ من خلال كلِّ ما تقدّم _ تمثّل الإنسانة العالمة، الداعية الّتي تنفتح على القضايا الإسلاميّة من موقع الغنى العلمي والروحي، ولعلّنا عندما نقرأ خطبتها في المسجد عندما انطلقت لتطالب بحقها في فدك، لا من خلال الناحية المادية، ولكن لأغراض أُخرى تتصل بالقضيّة العامّة الّتي كانت تدافع عنها، كانت تنطلق من خلال الدفاع عن حق أمير المؤمنين الّذي تعتقده ونعتقده في مسألة خلافة رسول الله (ص).
وعندما ندرس خطبتها، فإنّنا نجد الفصل الأوّل من الخطبة يمثّل شرحاً للقيم الإسلاميّة وللفرائض الإسلامية ولكثير من الخطوط الإسلامية، ما يدّل على غنىً علمي وثقافي يمكن للإنسان أن يجعل منه متناً لشرح كبير يبيّن أكثر التعاليم الإسلامية، وهكذا أيضاً عندما دخلت في الجدل القرآني حول إرثها والآيات الّتي تحدّثت بها كأساس لتأكيد أنّ لها الحقّ في الإرث من أبيها ورفض ما روي عن «أنّنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة»، فذلك يعبّر أيضاً عن ثروة فقهيّة كبيرة تعتمد على القرآن في استنطاقه في الجوانب الفقهيّة.
وعندما نلاحظ حديثها مع المهاجرين والأنصار، فإنّنا نجد أنّه يمثّل الصلابة في الموقف، ويمثّل القوة في تحميل المسؤوليّة، بحيث إنّنا لا نتصوّرها تلك الإنسانة الضعيفة البدن المنهدّة الركن، الّتي يُغشى عليها ساعةً بعد ساعة _ كما يقولون _ ولكنّنا نتصورّها المرأة الّتي تقف أمام الرجال كلّهم مع اختلاف درجاتهم، للتحدّث معهم بالمنطق القوي الّذي يقيم الحجّة ويردّ الشبهة بما لم نعهده في امرأة قبلها.